النظرة العلمية في تقديم السمع على البصر
والبحث
في هذا المجال ليس بحث التفسير ولكن بحث من حيث الإعجاز العلمي. فبهذا سنستفيد
بإذن الله عل صحة القرأن وعظيمه وكريمه ووحيه. فكون الإعجاز لكونه علميا يبني على
العلوم المناسب بموضوع اللفظ أو الأية بشرط أن لا يتعارض التفسير أو البيان
الصحيحة والقطعية للقرأن. فالنظرة العلمية مما سنبحث تدل على إعجاز و أسرار هذا
التقديم.
وقد
تقدم البحث بأن الأية فيها التركيب لهذا التقديم كثيرة والسياق متنوّعة, ولكن
النقطة الرئيسيّة أنّ الأية تكون للإنسان. فالسمع والأبصار والأفئدة في هذا البحث
بالنسبة إلى الإنسان وليس لله الذي ليس له مثيل لمخلوقه ولا للملئكة مما لا نعلم
حقيقته. فكما بين الأستاذ الدكتور صادق الهلالي أنّ تكشيف الإعجاز العلمي من هذا
التقديم يمكن بملاحظة علوم الأجنة والتشريح والفزيولوجي والطب.[1] لكن
بالطبع ليس لدينا سلطة قوية لبحث هذه العلم. فلذا نحاول بحثه من خلال النظر في
آراء الخبراء في هذا المجال.
ويتبين
الإعجاز من تقديم السمع على البصر والفؤاد بتقدم خلق السمع للإنسان من الأخر
(البصر والفؤاد) في الحياة الجنينية وبتقدم تأدية وظيفته على الأخر. ومن
ناحية تقدم خلق السمع على الأخر ننقل عن
كيته ال مور (keith L. Moor) أنّ
أول ماتتطور الأذن في حياة الجنين هو الصفيحة السمعية.[2] والصفيحة
السمعية تظهر في أوائل الأسبوع الرابع (otic placode), وهي أول
مكونات ألة السمع.[3] وأيضا يقول غيلبرت (1989) تأكيدا
لما قبله:
“The auditory system
originates early in the fourth week with the emergence of the otic placode. The
development of the ear, including both the sense of hearing and the sense of
balance, is complex and involves all three embryonic germs layers (the
endoderm, ectoderm and mesoderm)”[4]
وأمّا
تطور البصر بدأ بالأخدود البصري (optic sulci/sulcus) يظهر
في أول الأسبوع الرابع من حياة الجنين في اليوم الثاني والعشرين,[5]
وكذلك في لارسن (Larsen) بنفس الرأي:
“The first morphologic
evidence of the eye is the formation of the optic sulcus in the future
diencephalic region of the prosencephalic neural groove (forebrain) at twenty
two days” [6]
من
خلال بحث الخبراء مما تقدم، يمكن ملاحظة أن تطوير حاسة السمعية سبق حاسة البصر.
أي، يبدأ تطور حاسة السمعية في اليوم الواحد وعشرين، بينما يبدأ تطور حاسة البصر في اليوم الثاني والعشرين.
ولو كان تطور حاسة السمع سبق البصر ولكنها في وقت متزامن تقريبا في الحياة
الجنينية الأولى. فلذا عطف الله بين السمع والبصر لتزامنهما تقريبا في الخلق. هذا
من ناحية تقدم خلق السمع من الأخر.
وأمّا
من ناحية تقدّم السمع لتأدية وظيفته من الأخر نرى بالتلي أنّ الأذن الداخلية في
الجنين تم وظيفته أو قادرة على السمع في شهر الخامس يسبق وظيفة البصر. وأول ما
يتطور الأذن لتكون قادرة على السمع في هذه الناحية يعني يظهر الكيس الغشائي لحلزون
الأذن (Membraneous Cochlea) في الأسبوع الرابع حتى كماله في
الأسبوع الثامن. وهذا كما نقل
عن الأستاذ الدكتور صادق الهلالي. ثم تتم إحاطة الحلزون بغلاف غضروفي في الأسبوع
الثامن عشر وينمو هذا حتى يصل حجمه إلى الحجم الطبيعي له عند البالغين في نهاية
الأسبوع الثامن عشر, ويتم تعظم الغلاف الغضروفي في الأسبوع الواحد والعشرون, عندما
ينمو فيه (عضو كورتي) وهو عضو حس السمع, وتظهر فيه الخلايا الشعرية الحسية التي
تحاط بنهايات العصب السمعي.[7]
وأمّا
العين يتم شكله في أخر شهر السادس. ويقال بحلول الشهر السادس، تتشكل العيون
بالكامل و يمكن للجفون أن تفتح وتغلق.[8]
وهناك من يقول أنّ جفي عينين الجنين مغلقين حتى الأسبوع السادس والعشرين من الحياة
الجنينية.[9]
ورغم كان جفا العين قادر على الفتح والغلق ولكن لا يقدر على الرؤية لأنّ في الحياة
الجنينية لايوجد الضوء أو فيها الظلم. ويستطيع العين أداء وظيفته بعد الولادة.
يقول الدكتور صادق:
أمّا حاسة البصر فهي ضعيفة جدا عند
الولادة إذ تكاد أنّ تكون معدومة, ويصعب على الوليد تمييز الضوء من الظلام, ولا
يرى إلا صورا مشوشة للمرئيات, وتتحرك عيناه دون أن يتمكن من تركيز بصره وتثبيته
على الجسم المنظور, ولكنه يبدأ في الشهر الثالث أو الرابع تمييز شكل أمه أو قنينة
حليبه وتتبع حركاتها, وعند الشهر السادس يتمكن من تفريق وجوه الأشخاص, إلا أن
الوليد في هذا السن يكون بعيد البصر, ثم يستمرّ بصره عل النمو والتطور حتى السنة
العاشرة من عمره.[10]
ويتبين من ذلك أنّ الأذن قادر أن يسمع في أول شهر السادس (الأسبوع الواحد وعشرون) عندما ينمو فيه عضو كورتي بينما العين لايبصر إلا بعد ولادته. وتطور تأدية وظيفة البصر من الضعيف إلى كماله بوقت طويل وهو حتى السنة العاشرة. فلذا يسبق الأذن من العين في أداء وظيفته.
النظرة العلمية في تقديم السمع والبصر على الفؤاد
قد
تبين في التعريف أن الفؤاد إما هو القلب أو هو أخص من القلب. فلفهمها الأوسع
يستلزم المطالعة والبحث الطويل, فنحن من اقتصار الوقت والإستطاعة نلاحظ أنّ الفؤاد
لن يكن منفصلا بالقلب أو هو كتعلق بالقلب. فالقلب في القرأن من أحد وظيفته لأن
تكون الإنسان قادرة في التعقل والفهم. قال تعالى : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ
كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا
وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا
ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ
(الأعراف: 179). فمن هذا سنرى الإعجاز في ترتيبه بعد السمع والبصر.
وأمّا
السر في ذلك, الله ورسوله أعلم, يتعلق بالطريقة لفهم الأشياء. فلمذا يتقدم السمع
والأبصار على الأفئدة, فنعلم من ناحية العلمي أنّ الإنسان يكتسب العلم ويحصل عليه
أولا عن طريق السمع ويليه البصر, وبعد أن بلغ الإنسان إلى السنة النضوجة في السمع
والبصر انتقل إلى المرحلة العقلية. وقد تبين مما سبق أنّ الإنسان بعد ولادته يسمع
مباشرة بل ذلك من الحياة الجنينية. وأمّا حاسة البصر يتطور بطيئا بالنسبة إلى
السمع, بل يكون كاملا في عملية الإحساس في السنة العاشرة من العمر. وبعد ذلك انتقل
إلى مرحلة التمييز العقلي وهذا دور الفؤاد ليعقل ويعي ما أدركه الطفل منها بحواسه.
فمثلا
أنّ الوليد يولد لا يعلم شيئا ثم يسمع الأصوات وما أوسع من ذلك من اللغة والعبارة,
ثم كذلك يبصر الأشياء وتتوالى بهذين الحسيين المدركات للطفل وبعد أن صارت مجموعة
المدركات الحسية كافية يأتي دور الفؤاد ليعقلها ويفهمها. ولعل هذا موافق لما قرر
الفقها بأن هناك المرحلة التمييز أو العاقل. فمن المعروف أن الطفل في الشريعة
الإسلامية يمر بمراحل أو أطوار ثلاثة: المرحلة الأولى قبل سن التمييز, ويكون الطفل
فيها عديم التمييز وعديم الأهلية. والمرحلة الثانية: طور التمييز, وتسمى كذلك
مرحلة نقص الأهلية. والمرحلة الثالثة : طور البلوغ أو كمال الأهلية.[11]
ويمكن أن نقول أن في المرحلة الأولى هي مرحلة الإدراك بالحسي بالسمع والبصر لأنّ فيها لا يستطي تمييز الأشياء بعقله وأما يليه (الثانية) مرحلة التمييز وهو مرحلة الإدراك العقلي. ومن هذا يتبين السر والإعجاز في تقديم السمع على البصر والأفئدة لأن هذه الطريقة لتعلم المعارف والخبرات تجيء بحسب الترتيب الذي ذكره القرأن.
الأسرار في التركيب العطف بالإفراد والجمع
وحقيقة
أخرى في تقديم السمع على البصر, وهو أن القرأن يذكر السمع مفردا, ويذكر الإبصار
بصيغة الجمع. فلماذا لم يأتي بالجمع, للجواب الحق هو الله تعالى المتحدث كذا. وفي
ذلك سر من أسرار الإعجاز أيضا. يقول الإمام الشعراوي جوابا للسؤال:
"فرق بين السمع وغيره من الحواس
فحين يوجد صوت في هذا المكان يسمعه الجميع, فليس في الأذن ما يمنع السمع, وليس
عليها قفل نقفله إذا أردنا ألّا نسمع, فكأن السمع واحد عند الجميع, أمّا المرئي
فمختلف: لأننا لا ننظر جميعا إلى شيء واحد بل المرائي عندنا مختلفة فهذا ينظر
للسقف, وهذا ينظر للأعمدة إلى أخره. إذن المرائي لدينا مختلفة فكأن الأبصار لدينا
مختلفة وكذلك الحال في الأفئدة جائت جمعا لأنها متعددة مختلفة, فواحد يعي ويدرك,
وأخر لا يعي ولا يدرك, وقد يعي واحد أكثر من الأخر."[12]
إذا
تبين من قول الإمام الشعراوي أنّ الأسرار تتوقع في الموضوع المدركات. فكأنّ السمع
وارد بصيغة المفرد لعمليته على غدراك الصوت فحسب ولا يختار بين أن يسمع ولا يسمع
حين جاء الصوت. بينما الأبصار والأفئدة بصيفة الجمع لإدراك المدركات المختلفة.
وهذا أيض يقوله الإمام ابن عاشور بنفس الأراء. وهو يقول:
" وَجَمَعَ الْأَبْصَارَ
وَالْأَفْئِدَةَ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ أَصْحَابِهَا. وَأَمَّا إِفْرَادُ
السَّمْعِ فَجَرَى عَلَى الْأَصْلِ فِي إِفْرَادِ الْمَصْدَرِ لِأَنَّ أَصْلَ
السَّمْعِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ. وَقِيلَ: الْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقَاتِ
فَلَمَّا كَانَ الْبَصَرُ يَتَعَلَّقُ بِأَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ
وَكَانَتِ الْعُقُولُ تُدْرِكُ أَجْنَاسًا وَأَنْوَاعًا جُمِعَا بِهَذَا
الِاعْتِبَارِ. وَأُفْرِدَ السَّمْعُ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِنَوْعٍ
وَاحِدٍ وَهُوَ الْأَصْوَاتُ. "[13]
[1] يوسف الحاج أحمد, موسوعة
الإعجاز العلمي في القرأن الكريم والسنة المطهرة (دمشق: مكتبة ابن حجر, 2003). 175
[2]
والصفيحة
السمعية هي الأذن بقسمه الداخل لأن الأذن ينقسم على الأذن الخارجي والأذن المتوسطي
والأذن الداخلي. انظر كيته ال مور Keith l. Moore, The
Developing Human; Clinically Oriented Embriology (Philadelphia: Elsevier,
2016). 430
[3] المرجع
السابق. 430
[4] Gilbert in Stephen M. Maret, Introduction
to prenatal Psychology (2013). no page
[5] T. Ruch, Pshysiology
and Biophysics; The Brain and Neural Fucntion (1979). 412
[6] Gary C. Schoenwolf et. al., Larsen’s Human Embriology (Philadelphia: Elsevier, 2015). 490
[7] صادق الهلالي في أحمد, موسوعة الإعجاز العلمي في القرأن الكريم والسنة المطهرة. 176
[8] D.A. Louw Et. Al, Human
Depelopment (Pinelands: Kagiso Tertiary, 1998). 129
[9] l. Moore, The
Developing Human; Clinically Oriented Embriology. 429
[10] أحمد,
موسوعة الإعجاز العلمي في القرأن
الكريم والسنة المطهرة. 177
[11] عبد القادر الشيخلي, حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية والنظام السعودي والمواثيق الدولة (رياض: العبيكان, 2016). 38
[12] محمد متولي الشعراوي, تفسير الشعراوي (قاهرة: مطابع أخبار اليوم, 1997). الجزء 13 صفحة 8115
[13] ابن عاشور, التحرير
والتنوير :تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد
من تفسير الكتاب المجيد. الجزء 18
صفحة 104
https://www.rukyatulislam.com/2020/09/nadzrahilmiyah.html
Social Plugin